العلم يؤكد أن أمننا المناخي هو اليوم على المحك. والبيانات العلمية تشدد على أن عام 2023 كان الأسخن في التاريخ المسجل للكوكب، وبفارق ملحوظ. والبيانات المناخية التي نسجلها تباعاً هذا العام هي إنذار مبكر للحاجة الملحة لتطبيق مخرجات مؤتمر الأطراف «كوب 28» وتفعيل بنود اتفاق الإمارات التاريخي الذي نتج عنه، فارتفاع حرارة الأرض ليس السبب الوحيد الذي يدعو للقلق.

إذ يشير تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الذي صدر حديثاً حول حالة المناخ، أن العالم يواصل تحطيم الأرقام القياسية المناخية على مختلف المستويات، حيث وصلت معدلات غازات الدفيئة، وارتفاعات درجات حرارة سطح الأرض، وزيادة حرارة مياه المحيطات ودرجة حموضتها، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتراجع الغطاء الجليدي للبحر القطبي الجنوبي، وانحسار الأنهار الجليدية، إلى مستويات غير مسبوقة مقلقة.

ففي عام 2023، ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية القريبة من السطح إلى 1.45 درجة مئوية فوق متوسط ما قبل الصناعة في الفترة من 1850 - 1900، ليصبح العام الأكثر دفئاً في فترة الرصد منذ 174 عاماً. وهذا يتجاوز حتى الأرقام القياسية المسجلة في السنوات السابقة الأكثر حرارة، بما في ذلك عام 2016 عند 1.29 درجة مئوية وعام 2020 عند 1.27 درجة مئوية فوق خط الأساس المرجعي لفترة ما قبل الثورة الصناعية.

وفي السياق ذاته، وبنهاية فصل الشتاء الماضي، انحسرت مساحة الجليد البحري في منطقة القطب الجنوبي بمقدار مليون كيلو متر مربع عن المستوى القياسي المنخفض السابق، وهي مساحة تقارب مساحة فرنسا وألمانيا مجتمعتين.

وفي الوقت نفسه، يحذر علماء المناخ من أن الارتفاع المتسارع لحرارة تيارات المحيط الأطلسي التي تعبر المياه من خليج المكسيك إلى جرينلاند شمالاً، ثم تعود مرة أخرى جنوباً، قد يصل إلى نقطة تحول خطيرة، ستتبعها بمجرد اختراقها فيضانات وتغيرات مناخية جذرية لا رجعة فيها ربما. ولانعدام الأمن المناخي تكلفة اجتماعية واقتصادية كبرى. وقد أثرت شدة وتكرار موجات الحر والفيضانات والأعاصير والجفاف وحرائق الغابات التي اجتاحت كوكبنا العام الماضي على حياة الملايين حول العالم، وأضرت بطرق معيشتهم. وتكبد العالم خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات. وفي مثل هذه الظروف الخارجة عن السيطرة، تصبح محاولة استدامة النمو وتحقيق التنمية المستدامة أشبه بمحاولة إشعال نار تحت مطر منهمر. لذلك حان الوقت للعمل مع عناصر الطبيعة لا ضدها.

وبالتحول إلى الطاقة المتجددة، يُسْتَفَاد من العالم الطبيعي من حولنا وتسخيره من أجل التنمية، والحد من وحتى تقليل ارتفاعات درجات الحرارة في المستقبل. وهذا التحول قادر على تشكيل مسار أسرع وأكثر فاعلية للفرص الاقتصادية، لتحقيق نمو أكثر استدامة، وتوفير المزيد من فرص العمل، وتحسين مستويات المعيشة. وتشير دراسة بحثية أجرتها الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، إلى أن تحول الطاقة يمكنه، بحلول عام 2050، إحداث نمو بنسبة 2.5% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مع زيادة 0.2% في تشغيل القوى العاملة عالمياً. ولمعالجة الأزمة المناخية التي تتوالى فصولها، علينا تركيز طاقاتنا وجهودنا على ثلاثة محاور، هي: أولاً، تسريع تحول الطاقة نحو نظام يعتمد على حلول الطاقة النظيفة والمتجددة.

وكما يوضح تقرير توقعات تحولات الطاقة العالمية الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، فإن على مصممي السياسات وضع استراتيجيات وإجراءات تسرع تبني ونشر الطاقة المتجددة عالمياً، وذلك بعد التزام أكثر من 130 دولة، اجتمعت في «كوب 28» على أرض الإمارات، بإحداث تحول جذري في مشهد الطاقة، من خلال اعتماد توصيات وكالة «آيرينا» بمضاعفة قدراتها الإنتاجية للطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف، بهدف الوصول إلى قدرة إنتاج 11 تيراوط عالمياً بحلول عام 2030، والمساهمة في الإبقاء على ارتفاع درجة حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية.

لقد زاد العالم قدرات إنتاج الطاقة المتجددة بنسبة 50% في عام 2023 مقارنة بالعام الذي سبقه، وهذا زخم كبير وإنجاز نوعي، لكن علينا أن نستمر في استثمار أكثر من 5 تريليونات دولار سنوياً في تقنيات وتطبيقات تحول الطاقة حول العالم لتلبية متطلبات مستقبل الحياد المناخي. ثانياً، علينا أن ننفذ بسرعة استراتيجيات التخفيف والتكيف التي تساعد على تحقيق طموحات الحياد الصفري. فالارتفاع في درجة الحرارة الذي وصلنا إليه العام الماضي بواقع 1.45 درجة مئوية، بهامش زيادة أو نقصان 0.12 درجة مئوية، يجب أن يكون إنذاراً لنا إذا ما أردنا الحفاظ على عتبة 1.5 درجة مئوية في متناولنا.

لكن حالياً يتجه العالم نحو تجاوز ذلك الحد وصولاً إلى الحد الأقصى لارتفاع درجات الحرارة عند «أقل بكثير من درجتين مئويتين» وفق اتفاق باريس للمناخ عام 2015. لذلك نحتاج جهوداً جبارة والتزاماً جدياً برفع المساهمات المحددة وطنياً من جانب بلدان العالم. ويتطلب الالتزام بمسار 1.5 درجة مئوية الذي حددته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة خفض الانبعاثات السنوية بنسبة 7% على الأقل من الآن وحتى نهاية العقد الحالي.

ويعد هذا الهدف أعلى منخفض الانبعاثات الذي شهدناه خلال الجائحة. علماً بأن الاتجاه الحالي هو زيادة سنوية في الانبعاثات بنسبة 1.5% درجة نتيجة لمحاولة العالم تعويض الوقت الضائع في الإنتاجية أيام الجائحة. إن المسار العالمي الحالي يصعب إزالة الكربون، حيث تغطي حالياً الالتزامات الوطنية للدول بخفض مستوى الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050 ما نسبته 35% فقط من الانبعاثات العالمية، وأقل من 20% من أكبر 1000 شركة في القطاع الخاص على مستوى العالم، حددت أهدافاً قائمة على أساس علمي للإبقاء علَى ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية.

وثالثاً، علينا لتحقيق طموحات الوصول إلى الحياد الصفري أن نعمل بسرعة على إزالة الكربون من القطاعات الصناعية كثيرة الانبعاثات، وتوسيع نشر التكنولوجيا التي أثبتت جدواها في هذا المجال، بما في ذلك الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وطاقة الرياح، والمركبات الكهربائية. لكن لإزالة الكربون بالوتيرة التي نحتاج إليها، يجب أن يتسارع الابتكار بمعدل غير مسبوق. فقد استغرقت تقنيات الطاقة النظيفة الناضجة والموسعة مثل الألواح الشمسية أكثر من ثلاثة عقود، حتى وصلت إلى المرحلة المتقدمة التي هي عليها اليوم.

ونحتاج إلى تقليل الوقت اللازم لتطوير وطرح وتعميم التقنيات الجديدة مثل احتجاز الكربون وتخزينه واستخدامه. ولضمان تلبية متطلبات هذه المعايير الثلاثة التي تدعم تحول الطاقة، علينا ترقية بنيتنا التحتية وتوسيعها وتحديثها، وإنشاء أطر تنظيمية وأسواق مناسبة لحقبة الطاقة المتجددة، وتوفير فرص التمويل لجعل كل ذلك ممكناً، ويجب أن تكون جهودنا مدفوعة بنهج شامل مبني على التعاون الدولي الذي يشمل الجميع دون استثناء. وهذا ما سيضمن أن لا تأتي الطاقة التي يحتاجها عالمنا على حساب مستقبلنا على هذا الكوكب.

*المندوب الدائم لدولة الإمارات في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»